قال شمس الزمان سيف الله الصقيل الشيخ طارق السعدي حفظه الله:
بسم الله الحَمِيْد المَجِيد، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله محمد خير العبيد، ثم على المُبَشِّرينَ به وآله وصحبه وخلفائه وورثته إلى يوم المَزيد.
وبعد: فإنَّ التَّصوف الإسلامي: هو مجموعة الأحكام المُتَعَلِّقة بنُفُوسِ الناس تَزكيَةً؛ قال الله تعالى: { ونَفْسٍ وما سَوَّاها * فألهمها فجورها وتقواها * قد أفلَح مَنْ زكَّاها * وقَد خابَ مَن دَسَّاها }[الشمس:7-10]، مُثْبِتاً التَّصوف: الذي يبحث في أعمال النَّفْسِ من حيث تزكيتها، ثمَّ أوحى إلى سيدنا رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم: { الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك }، مبيِّناً أنَّه: ركن الدِّين الثالث؛ لأن الإحسان ثمرة التزكيَة.
وإن المَبادئَ تُمَكِّن الناسَ من تصَوُّر الشيءَ قبل الشُّروعِ فيه؛ لِيَضْبطوا مسائلَه الكثيرة، ويكونوا في تطلُّبِها على بصِيرَة. وهي عشرة مبادئ:
الاسم: وهو: تَصَوُّف؛ مِنَ ( الصَّفَاء )، اصطلاحاً لا اشتقاقاً؛ فإن العلماءَ المتخصّصين أطلقوا اسمَ ( صُوْفِي ) على العَبدِ المُتَحقِّق من تَزْكِيَة النّفْس؛ نِسْبَةً للفعل إلى الله تعالى، أي: صَفَّاه اللهُ تعالى وصَافَاه؛ قال الله U: { والذين جاهَدوا فينا لَنَهْدِيَنَّهُم سُبُلَنا }، ثمّ إنهم جعلوا ذلك مَصْدَراً اشتَقُّوا منه اسمَ (تَصَوُّف) للعِلْم، و(مُتَصَوِّف) للمُرِيْد: وهو المُجاهِدُ لنَفسِه طلباً للتزكيَةِ ابتغاءَ وجهِ الله تعالى.
الحَـدّ: وهو: أعْمَالُ الظَّاهِرِ وَالبَاطِنِ الْمُزَكِّيَة للنَّفْسِ.
والظاهر: الآداب، وهي: الأعمال الظَّاهِرَة ( أي: أعمال الجوارح )، كالذِّكْر.
والباطن: الأخلاق، وهي: الأعمال الباطِنَةِ، كالتَّقوى ( من حيث هي خُلُق باطِن ).
المَوضُوع: وهو: أعمالُ النُّفوس ظاهِراً وباطِناً مِنْ حَيْث التَّزكية.
الوَاضِـع: وهو: اللهُ تعالى: أوحاه إلى رُسُله وأنبيائِه، وألهَمَهُ خَوَاصَّ أوليائه.
الاستمداد: وهو: مِنَ القرآن الكريم والسُّنَّة الشَّريفة.
تنبيه: فالمخالفات المَنْسُوبَة إلى التَّصوفِ أو المُشَاهدة عند المُنْتَسِبِيْنَ إليه: إنما هي منهم لا منه، مردودة عليهم بكتاب الله تعالى وسنَّة نبيِّه المُصطفى صلى الله عليه وآله وسلم؛ قال الله تعالى: { وما أُمِروا إلا لِيَعبدوا اللهَ مُخْلِصِيْن له الدِّيْنَ }، وإخلاص الدِّين: إنما يتحقَّقُ بالوقوف على حُكم الله تعالى، قال سيدنا رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم: { ما أَحَلَّ اللهُ في كتابه فهو حلال، وما حَرَّمَ فهو حَرَام، وما سَكَتَ عنه فهو عفو }، ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم: { مَن أحْدَثَ في ديننا ما ليس مِنْه فهو رَدّ }.
فائدة: وحذَّر صلى الله عليه وآله وسلم المبتدعين والجُهال من الإنكار على الحكم الثابت لمخالفتهم له أو جهلهم به فقال: { أعظم المسلمين في المسلمين جُرْماً: مَن سأل عن شيء لم يكن قد حُرِّمَ، فحُرِّم من أجل مسألته }، فيا لله ما نقول فيمن حرَّم التَّصوّفَ وشدَّدَ النكارة عليه مع ما ثَبَتَ من طَلَبَ اللهُ تعالى له، بل ما عُلِمَ بالبديهة من شَرْعِيَّته وقَدْرِه، حتى قال الإمام أحمد بن حنبل رضي الله تعالى عنه:" لا أعلم على وجه الأرض أقواماً أفضل من الصُّوفيَّة "اهـ؟! حسبنا الله ونِعم الوكيل.
الحُكـم: وهو: الوجوب العَيْنِي في غير القُرُبات؛ قال الله تعالى: { فاستَقِم كما أمرت }، مبيِّناً وجوبه على كل مسلم مُكلَّفٍ، فلا يسعه تركه، إلا ( القُرُبات )، وهي الأعمال التي طلب فعلَها على وجه الندب والاستحباب، لا الفرض والإيجاب؛ بحيث تكون سبباً للرِّفْعَة والزِّيَادة، وتَمَام العَمَل بالعبادة.
المَسَائل: وهي: أعماله وآثارها والمصطلحات فيه.
النِّسْبَة: وهي: الأصوليَّة؛ قال الله تعالى: { واتقوا الله ويُعلمكم الله }، مبيّناً أن التصوف: أصل للتحقّق من كُلِّ عِلْم وفنٍّ.
الفَضْل: وهو: الشَّرف الحقيقي؛ لتعلقه بالله تعالى، وتحقيقه معنى العبوديَّة. قال الله تعالى: { ومَن أحسَنُ دِيْناً مِمَّن أسْلَمَ وجهَهَ لله وهو محسن }، { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، الذين آمنوا وكانوا يتقون .. }، والصُّوفيَّة رضي الله تعالى عنهم: هم أولياء الله تعالى حقاً؛ إذ أسلموا له وجوهَهم، فكانوا معه في كلِّ عَمَلٍ ظاهر أو باطن.
الثَّمَرة: وهي: التَّحَقُّق من الألوهيَّة والعُبُوديَّة كما قال الله تعالى: { فاعلم أنه لا إله إلا الله }، وتحصيل المعارف الدِّيْنِيَّة، والتحلي بالأخلاق المحمدية، فالإحسان بالعبوديَّة، والتنعم بالرَّحمة الأبديَّة، ونوال المكارم الدنيويَّة والأخرويَّة؛ قال الله تعالى: { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سُبُلنا }، { للذين أحسنوا الحُسنى وزيادة }، { ما يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أحبَّه، فإذا أحببته: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يُبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني أعطيته، ولإن استعاذني لأعيذنَّه }.
خاتمة:
قال الإمام أبو نعيم الأصبهاني رضي الله تعالى عنه:" الصوفية: أرباب القلوب، المتسوّرون بصائب فراستهم على الغيوب، المراقبون للمحبوب، التاركون للمسلوب، المحاربون للمحروب، سلكوا مسلك الصحابة والتابعين، ومَن نَحَى نحوَهم من المتقشِّفين والمتحققين، العالمين بالبقاء والفناء، والمميزين بين الإخلاص والرياء، والعارفين بالخطرة والهمة والعزيمة والنية، والمحاسبين للضمائر، والمحافظين للسرائر، المخالفين للنفوس، والمحاذرين من الخنوس، بدائم التفكر، وقائم التذكر؛ طلبا للتداني، وهربا من التواني.
لا يستهين بحُرمتهم إلا مارقٌ، ولا يَدَّعِي أحوالَهم إلا مائِق، ولا يعتقِد عقيدَتهم إلا فائِق، ولا يَحِنّ إلى مُوالاتهم إلا تائِق؛ فهم سُرُجُ الآفاق، والممدود إلى رؤيتهم بالأعناق.
بهم نقتدي، وإياهم نوالي إلى يوم التلاق "اهـ[الحلية:27–28].
والحمد لله رب العالمين
Tidak ada komentar:
Posting Komentar